ترحيب بالنائب  "جميل أبو عسلي"  في "رأس المتن"

          (كلمة للكاتب ألقاها في أواخر سني الأربعينيّات، بعد  جلاء جيوش فرنسا عن لبنان وسوريا عام 1946 م.)

   سُئل الإمام "الأوزاعيّ" ذات مرّة: ما كرامة الضيف؟ فأجاب: كرامة الضيف بشاشة الوجه؛ ونحن أيّها الضيف الكريم والزعيم العصاميّ، ابن السويداء عرين البطولة، نستقبلك وفقًا لفتوى الإمام وطريقته الأوزاعيّة، وليس كما يستقبل أهل الثراء ضيوفهم، ونفتح قلوبنا الواسعة، قلوب إخوان لبنانييّن، يستقبلون أخًا لهم، سوريًّا، وما سوريا ولبنان إلّا بلدًا واحدًا فرّقتهما سياسة الأيّام الاستعماريّة، ولا يفصم ما بين سكّانهما من الآخاء والقربى إلّا الحِمام.

   يا ابنَ الجبل الأشمّ، جبل "حوران"، ويا ابن سوريا العزيزة ويا أخا العرب وابن العروبة الصافية البارّ، لقد كلّمتك بالقول يا ضيف، تجمّلًا لا بل خطأ ولست بضيف، إنّما أنت كواحدٍ منّا، وإن ساءلت فؤادك الكبير يتبدَّ لك صدق ما أقول، وهذا الذي نشعر به وأنت بين ظهرانينا، أحسست به من قبل في أثناء زيارتي مضافتكم وتجوالي بحميم رفقتك بجبلكم، جبل الدروز أو بالأحرى جبل العرب، والدروز الموحّدون من أصفيائهم. وهذا الإحساس تأكّد لي في محافظة اللّاذقية وسواها من محافظات ديار الشام، حيث لم استنشق إلّا عبير الأخوّة الصادقة ولم ألمس سوى روح المحبّة الخالصة، ممّا دلَّ، بدون مراء، على ما في صدور السوريّين من مكنون العواطف النبيلة نحو لبنان وأهله، إذ إنّهم ينظرون إلينا نظرة الأخ الأكبر إلى أخيه الأصغر، والبرهان الساطع والمثل الملموس على ذلك، أنّهم لم يستنكفوا عن تقليد أحد أبناء هذه المنطقة، "منطقة المتن الأعلى" ابنها البارّ، العسكريّ المقدام، الزعيم "شوكت شقير" اللّبنانيّ الأصيل والصافي العروبة، أعلى منصب عسكريّ هو منصب رئيس الأركان في سوريا الناهضة، فخدمها كأحسن ما تكون الخدمة والتفاني بإخلاص ووفاء، وقد وضعتم يدكم الكريمة المباركة، مع أيادٍ أخرى كريمة أيضًا، في يده، وقطعتم مرحلة من مراحل الرقيّ واقتربتم من شاطىء الحرّيّة والتحرّر، من ربقة المنتدِب الفرنسيّ!

   وإنّنا، ونحن نرحّب بمقدمكم السعيد إلى متننا، متنكم أيضًا، ندعو لكم من صميم الأفئدة بأن يسدّد باري الوجود خطاكم ويوفّقكم، عاملين يدًا واحدة حتّى تحققوا لأوطان العروبة وحدتها وتعيدوا إليها كرامتها، خاصّة بإعادة فلسطين التي اغتصبها اليهود، وتصلوا بها إلى ما تبتغي من رقيّ، فتسير في مضمار الحضارة الحديثة، غير متخلّفة عن الركب البشريّ المتمدّن السائر قدمًا نحو الكمال، الكمال النسبيّ طبعًا، فتؤدّي قسطها للعلى في المستقبل، كما أدّت في العصر الوسيط، ولن يتيسّر ذلك بغير العلم الصحيح القائم على تقديس الحقيقة والحقّ والعمل النافع ومحاربة الجهل وخصام الأنانيّة الجامحة، مصدر الخلاف والشرّ في كلّ قطر عربيّ، وبذر روح التحابّ والتسامح ونبذ العصبيّة الطائفيّة والمذهبيّة البعيدة عن روح الدين، القائمة في الأساس على حبّ الخير للجميع، والشروع في تربية الناشئة في قطرينا، على احترام الأديان والمذاهب وخلق الثقة في النفوس، لأنّ الثقة بين الناس أساس للعمران.

   أخذ المولى مدبّر الكون بيدكم، وهدى إلى ما فيه حبّ العروبة، وحبّ الناس قاطبةً، في المشرق العربيّ ومغربه، وأهلًا وسهلًا في منزلكم.

                                                                                                       

                                      يوسف س. نويهض